سورة ق - تفسير تفسير البيضاوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (ق)


        


{ق والقرءان المجيد} الكلام فيه كما مر في {ص والقرءان ذِى الذكر} و{المجيد} ذو المجد والشرف على سائر الكتب، أو لأنه كلام المجيد، أو لأن من علم معانيه وامتثل أحكامه مجد.
{بَلْ عَجِبُواْ أَن جَاءهُمْ مُّنذِرٌ مّنْهُمْ} إنكار لتعجبهم مما ليس بعجب، وهو أن ينذرهم أحد من جنسهم أو من أبناء جلدتهم. {فَقَالَ الكافرون هذا شَئ عَجِيبٌ} حكاية لتعجبهم، وهذا إشارة إلى اختيار الله محمداً صلى الله عليه وسلم للرسالة، وإضمار ذكرهم ثم إظهاره للاشعار بتعنتهم بهذا المقال، ثم التسجيل على كفرهم بذلك أو عطف لتعجبهم من البعث على تعجبهم من البعثة، والمبالغة فيه بوضع الظاهر موضع ضميرهم وحكاية تعجبهم مبهماً إن كانت الإِشارة إلى منهم يفسره ما بعده، أو مجملاً إن أهون مما يشاهدون من صنعه.
{أَءذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً} أي أنرجع إذا متنا وصرنا تراباً، ويدل على المحذوف قوله: {ذَلِكَ رَجْعُ بَعِيدٌ} أي بعيد عن الوهم أو العادة أو الإِمكان. وقيل الرجع بمعنى المرجوع.
{قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الأرض مِنْهُمْ} ما تأكل من أجساد موتاهم، وهو رد لاستبعادهم بإزاحة ما هو الأصل فيه، وقيل إنه جواب القسم واللام محذوف لطول الكلام. {وَعِندَنَا كتاب حَفِيظٌ} حافظ لتفاصيل الأشياء كلها، أو محفوظ عن التغيير، والمراد إما تمثيل علمه بتفاصيل الأشياء بعلم من عنده كتاب محفوظ يطالعه، أو تأكيد لعلمه بها بثبوتها في اللوح المحفوظ عنده.
{بَلْ كَذَّبُواْ بالحق} يعني النبوة الثابتة بالمعجزات، أو النبي صلى الله عليه وسلم، أو القرآن. {لَمَّا جَاءهُمْ فَهُمْ} وقرئ: {لَّمّاً} بالكسر. {فِى أَمْرٍ مَّرِيجٍ} مضطرب من مرج الخاتم في أصبعه إذا خرج، وذلك قولهم تارة أنه {شَاعِرٌ} وتارة أنه {ساحر} وتارة أنه كاهن.
{أَفَلَمْ يَنظُرُواْ} حين كفروا بالبعث. {إِلَى السماء فَوْقَهُمْ} إلى آثار قدرة الله تعالى في خلق العالم. {كَيْفَ بنيناها} رفعناها بلا عمد. {وزيناها} بالكواكب. {وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ} فتوق بأن خلقها ملساء متلاصقة الطباق.
{والأرض مددناها} بسطناها. {وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِىَ} جبالاً ثوابت. {وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلّ زَوْجٍ} أي من كل صنف. {بَهِيجٍ} حسن.
{تَبْصِرَةً وذكرى لِكُلّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ} راجع إلى ربه متفكر في بدائع صنعه، وهما علتان للأفعال المذكورة معنى وإن انتصبنا عن الفعل الأخير.
{وَنَزَّلْنَا مِنَ السماء مَاء مباركا} كثير المنافع {فَأَنبَتْنَا بِهِ جنات} أشجاراً وأثماراً. {وَحَبَّ الحصيد} وحب الزرع الذي من شأنه أن يحصد كالبر والشعير.
{والنخل باسقات} طوالاً أو حوامل من أبسقت الشاة إذا حملت فيكون من أفعل فهو فاعل، وإفرادها بالذكر لفرط ارتفاعها وكثرة منافعها.
وقرئ لأجل القاف. {لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ} منضود بعضه فوق بعض، والمراد تراكم الطلع أو كثرة ما فيه من الثمر.
{رّزْقاً لّلْعِبَادِ} علة ل {أَنبَتْنَا} أو مصدر، فإن الإِنبات رزق. {وَأَحْيَيْنَا بِهِ} بذلك الماء. {بَلْدَةً مَّيْتاً} أرضاً جدبة لا نماء فيها. {كذلك الخروج} كما حييت هذه البلدة يكون خروجكم أحياء بعد موتكم.
{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وأصحاب الرس وَثَمُودُ وَعَادٌ وفِرْعَوْنُ} أراد بفرعون إياه وقومه ليلائم ما قبله وما بعده. {وإخوان لُوطٍ} أخدانه لأنهم كانوا أصهاره.


{وأصحاب الأيكة وَقَوْمُ تُّبَّعٍ} سبق في {الحجر} و{الدخان} {كُلٌّ كَذَّبَ الرسل} أي كل واحد أو قوم منهم أو جميعهم، وإفراد الضمير لإِفراد لفظه. {فَحَقَّ وَعِيدِ} فوجب وحل عليه وعيدي، وفيه تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم وتهديد لهم.
{أَفَعَيِينَا بالخلق الأول} أي أفعجزنا عن الإِبداء حتى نعجز عن الإِعادة، من عيي بالأمر إذا لم يهتد لوجه عمله والهمزة فيه للإِنكار. {بَلْ هُمْ فِى لَبْسٍ مّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} أي هم لا ينكرون قدرتنا على الخلق الأول بل هم في خلط، وشبهة في خلق مستأنف لما فيه من مخالفة العادة، وتنكير الخلق الجديد لتعظيم شأنه والإِشعار بأنه على وجه غير متعارف ولا معتاد.
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} ما تحدثه به نفسه وهو ما يخطر بالبال، والوسوسة الصوت الخفي ومنها وسواس الحلي، والضمير لما إن جعلت موصولة والباء مثلها في صوت بكذا، أو ل {الإنسان} إن جعلت مصدرية والباء للتعدية. {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوريد} أي ونحن أعلم بحاله ممن كان أقرب إليه {مِنْ حَبْلِ الوريد}، تجوز بقرب الذات لقرب العلم لأنه موجبة و{حَبْلِ الوريد} مثل في القرب قال:
والموت أدنى من الوريد ***
و(الحَبْلِ) العرق وإضافته للبيان، والوريدان عرقان مكتنفان بصفحتي العنق في مقدمها بالوتين يردان من الرأس إليه، وقيل سمي وريداً لأن الروح ترده.
{إِذْ يَتَلَقَّى المتلقيان} مقدر باذكر أو متعلق ب {أَقْرَبُ}، أي هو أعلم بحاله من كل قريب حين يتلقى أي يتلقن الحفيظان ما يتلفظ به، وفيه إيذان بأنه غني عن استحفاظ الملكين فإنه أعلم منهما ومطلع على ما يخفى عليهما، لكنه لحكمة اقتضته وهي ما فيه من تشديد يثبط العبد عن المعصية، وتأكيد في اعتبار الأعمال وضبطها للجزاء وإلزام للحجة يوم يقوم الاشهاد. {عَنِ اليمين وَعَنِ الشمال قَعِيدٌ} أي {عَنِ اليمين} قعيد {وَعَنِ الشمال قَعِيدٌ}، أي مقاعد كالجليس فحذف الأول لدلالة الثاني عليه كقوله:
فإني وقيار بها لغريب ***
وقد يطلق الفعل للواحد والمتعدد كقوله تعالى: {وَالْمَلَئِكَةُ بَعْدَ ذلك ظَهِيرٌ} {مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ} ما يرمي به من فيه. {إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ} ملك يرقب عمله. {عَتِيدٌ} معد حاضر، ولعله يكتب عليه ما فيه ثواب أو عقاب وفي الحديث: «كاتب الحسنات أمين على كاتب السيئات فإذا عمل حسنة كتبها ملك اليمين عشراً، وإذا عمل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال دعه سبع ساعات لعله يسبح أو يستغفر» {وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقّ} لما ذكر استبعادهم البعث للجزاء وأزاح ذلك بتحقيق قدرته وعلمه أعلمهم بأنهم يلاقون ذلك عن قريب عند الموت وقيام الساعة، ونبه على اقترابه بأن عبر عنه بلفظ الماضي، وسكرة الموت شدته الذاهبة بالعقل والباء للتعدية كما في قولك: جاء زيد بعمرو.
والمعنى وأحضرت سكرة الموت حقيقة الأمر أو الموعود الحق، أو الحق الذي ينبغي أن يكون من الموت أو الجزاء، فإن الإِنسان خلق له أو مثل الباء في {تَنبُتُ بالدهن} وقرئ: {سكرة الحق بالموت} على أنها لشدتها اقتضت الزهوق أو لاستعقابها له كأنها جاءت به، أو على أن الباء بمعنى مع. وقيل: {سَكْرَةُ الحق} سكرة الله وإضافتها إليه للتهويل. وقرئ: {سكرات الموت}. {ذلك} أي الموت. {مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ} تميل وتنفر عنه والخطاب للإِنسان.
{وَنُفِخَ فِى الصور} يعني نفخة البعث. {ذَلِكَ يَوْمَ الوعيد} أي وقت ذلك يوم تحقق الوعيد وإنجازه والإِشارة إلى مصدر {نُفِخَ}.
{وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} ملكان أحدهما يسوقه والآخر يشهد بعمله، أو ملك جامع للوصفين. وقيل السائق كاتب السيئات، والشهيد كاتب الحسنات. وقيل السائق نفسه أو قرينه والشهيد جوارحه أو أعماله، ومحل {مَّعَهَا} النصب على الحال من كل لإِضافته إلى ما هو في حكم المعرفة.


{لَّقَدْ كُنتَ فِى غَفْلَةٍ مّنْ هذا} على إضمار القول والخطاب {لِكُلّ نَفْسٍ} إذ ما من أحد إلا وله اشتغال ما عن الآخرة أو للكافر. {فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ} الغطاء الحاجب لأمور المعاد وهو الغفلة، والانهماك في المحسوسات والإِلف بها وقصور النظر عليها. {فَبَصَرُكَ اليوم حَدِيدٌ} نافذ لزوال المانع للأبصار. وقيل الخطاب للنبي عليه الصلاة والسلام والمعنى: كنت في غفلة من أمر الديانة فكشفنا عنك غطاء الغفلة بالوحي وتعليم القرآن، {فَبَصَرُكَ اليوم حَدِيدٌ} ترى ما لا يرون وتعلم ما لا يعلمون. ويؤيد الأول قراءة من كسر التاء والكافات على خطاب النفس.
{وَقَالَ قَرِينُهُ} قال الملك الموكل عليه. {هذا مَا لَدَىَّ عَتِيدٌ} هذا ما هو مكتوب عندي حاضر لدي، أو الشيطان الذي قيض له هذا ما عندي وفي ملكتي عتيد لجهنم هيأته لها باغوائي وإضلالي، و{مَا} إن جعلت موصوفة ف {عَتِيدٌ} صفتها وإن جعلت موصولة فبدلها أو خبر بعد خبر أو خبر محذوف.
{أَلْقِيَا فِى جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ} خطاب من الله تعالى للسائق والشهيد، أو الملكين من خزنة النار، أو لواحد وتثنية الفاعل منزل منزلة تثنية الفعل وتكريره كقوله:
فَإِنْ تَزْجُرَانِي يَا ابْنَ عَفَّانَ أَنْزَجِر *** وَإِنْ تَدَعَانِي أَحْمٍ عِرْضاً مُمنعاً
أَو الألف بدل من نون التأكيد على إجراء الوصل مجرى الوقف، ويؤيده أنه قرئ: {ألقين} بالنون الخفيفة. {عَنِيدٍ} معاند للحق.
{مَّنَّاعٍ لّلْخَيْرِ} كثير المنع للمال عن حقوقه المفروضة. وقيل المراد بالخير الإِسلام فإن الآية نزلت في الوليد بن المغيرة لما منع بني أخيه عنه. {مُعْتَدٍ} متعد. {مُرِيبٍ} شاك في الله وفي دينه.
{الذى جَعَلَ مَعَ الله إلها ءاخَرَ} مبتدأ متضمن معنى الشرط وخبره. {فألقياه فِى العذاب الشديد} أو بدل من {كُلَّ كَفَّارٍ} فيكون {فألقياه} تكريراً للتوكيد، أو مفعول لمضمر يفسره {فألقياه}.
{قَالَ قرِينُهُ} أي الشيطان المقيض له، وإنما استؤنفت كما تستأنف الجمل الواقعة في حكاية التقاول فإنه جواب لمحذوف دل عليه. {رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ} كأن الكافر قال هو أطغاني ف {قَالَ قرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ} بخلاف الأولى فإنها واجبة العطف على ما قبلها للدلالة على الجمع بين مفهوميهما في الحصول، أعني مجيء كل نفس مع الملكين وقول قرينه: {ولكن كَانَ فِى ضلال بَعِيدٍ} فأعنته عليه فإن إغواء الشياطين إنما يؤثر فيمن كان مختل الرأي مائلاً إلى الفجور كما قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُمْ مّن سلطان إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فاستجبتم لِى} {قَالَ} أي الله تعالى. {لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَىَّ} أي في موقف الحساب فإنه لا فائدة فيه، وهو استئناف مثل الأول.
{وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بالوعيد} على الطغيان في كتبي وعلى ألسنة رسلي فلم يبق لكم حجة. وهو حال تعليل للنهي أي {لاَ تَخْتَصِمُواْ} عالمين بأني أوعدتكم، والباء مزيدة أو معدية على أن قدم بمعنى تقدم، ويجوز أن يكون {بالوعيد} حالاً والفعل واقعاً على قوله: {مَا يُبَدَّلُ القول لَدَىَّ} أي بوقوع الخلف فيه فلا تطمعوا أن أبدل وعيدي. وعفو بعض المذنبين لبعض الأسباب ليس من التبديل فإن دلائل العفو تدل على تخصيص الوعيد. {وَمَا أَنَاْ بظلام لّلْعَبِيدِ} فأعذب من ليس لي تعذيبه.
{يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امتلات وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ} سؤال وجواب جيء بهما للتخييل والتصوير، والمعنى أنها مع اتساعها تطرح فيها الجنة والناس فوجاً فوجاً حتى تمتلئ لقوله تعالى: {لاَمْلاَنَّ جَهَنَّمَ} أو أنها من السعة بحيث يدخلها من يدخلها وفيها بعد فراغ، أو أنها من شدة زفيرها وحدتها وتشبثها بالعصاة كالمستكثرة لهم والطالبة لزيادتهم. وقرأ نافع وأبو بكر يقول بالباء وال {مَّزِيدٍ} إما مصدر كالمحيد أو مفعول كالمبيع، و{يَوْمٍ} مقدر باذكر أو ظرف ل {نُفِخَ} فيكون ذلك إشارة إليه فلا يفتقر إلى تقدير مضاف.

1 | 2